بين الأصالة الدينية والتعصب الموروث
بقلم : فيتامين (ب)
يتدخل الدين في فرض أحكامه التي تتشظى إلى حرام وحلال ومكروه ومستحب فتختلف هذه الفرائض إلى مسميات تدل على الواقعية التي يحملها كل مسمى عن الآخر .
فالحرام والحلال ينطبق عليهما مسمى (الواجب) الدال على الحتمية التي لا تقبل التهاون والاستخفاف بهذا المسمى، ويحمل الواجب دلالة لفظية أخرى تجسده وهو (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) .
وتتضمن لفظة الشعائر هذا المعنى إذ ينطبق عليها الفرائض التي أوجبها الله تعالى على عباده والنواهي التي حرمها عليهم . كالحج وذبح الشاة يقول تعالى {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ }الحج36.
ويصف الله تعالى هذه الشعائر بالحرمات التي يجب على المسلم أن يعظمها بالتقييد في عملها فيقول تعالى {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ }الحج30 ومن هذه الحرمات القصاص يقول تعالى {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ }البقرة194 .
ويدخل المكروه والمستحب ضمن الفروض الغير واجبة والتي لا يجبر الإسلام الإنسان العمل بها كإلزام فرضي على خلاف الأوامر والنواهي [الحلال والحرام]
ونتيجة لهذا المعنى حديث الإمام علي (ع) "إن المؤمن لا يأخذ دينه إلا عن ربه" وليس لهواه أي دور في تسييره نحو الأفكار المجهولة التي قد تبنى بأساس مختلط يحمل الشوائب .
وبما أن القرآن الكريم هو كتاب السماء والمشرع الأول والثقل الأكبر الذي يؤم الإنسان نحو الخير ويجبنهم الشر كذلك هم عدل القرآن وترجمانه وهم آل بيت رسول الله (ص) فما يجيء عن هذين الثقلين يعتبر تقنين لهذه الشعائر لأنها متجذرة من الوحي السماوي .
وبالمقابل نجد أن أتباع الهوى عطفوا آراءهم على الدين وأصبحوا أئمة الكتاب كما يصفهم الإمام علي (ع) : عطفوا الرأي على القرآن.. و أصبحوا أئمة الكتاب, بينما يقدم الإمام امتثال المؤمن لأوامر الله وتجريده لأهوائه الفكرية فيقول : إذ عطفوا القرآن على الرأي وأصبح الكتاب إمامهم يحطوا حيث حط .
ويمثل لنا القرآن هذا التباين في كفتين فيقول {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }المائدة104 ويقول تعالى في موضع آخر َ{أمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ{21} بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ{22} وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ{23} .
فالاقتداء بالآباء وإتباع آثارهم تارة قد يكون مرتبط بالدين إذا كان الآباء على رابط بحبل الدين كما كانت الأنبياء الذين اتبعوا ملة آباءهم إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب .
وتارة أخرى تكون أفكار الآباء ما هي إلا عقد مكتسبة ولا تمت إلا الدين بأي صلة، فالآباء يرسمون والأبناء ينتهجون[ولا يقتصر مفهوم الآباء على الوالدين والأجداد، وإنما يشمل كل فكر يتأثر به الإنسان ممن يحب فالأب هو القائد كما كان يحمل الرسول (ص) والإمام علي (ع) هذين اللقبين بشهادة الرسول (ص) لعلي (ع) أنا وأنت أبوا هذه الأمة] .
كما كان أتباع المسيح حيث لم يقتفوا بدين الله المجسد على لسان نبيهم (ع) ولكن ابتدعوا شعائر [رهبانية] لم ينزل الله بها سلطان، فلم يرعوا تعاليم الدين فنبذوها، واتجهوا نحو الأفكار التجريدية يقول تعالى {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا }الحديد27
وتوصلنا هذه النتيجة إلى تشعب فريقين أحدهما يتقلد بالدين، والآخر يتقلد بالدين القائم على المعتقدات السرابية التي يظن أتباعها أنها من الدين، وهذا يجرنا إلى أن كل الشعائر التي يؤديها الإنسان يجب أن تنبع من البرهان الساطع والدليل الواضح كما هي شعيرة الحج، فالناس يطوفون حول البيت العتيق امتثالاً لما أمر الله به ويسعون بين الصفا والمروة ويرمون الجمرات ويقفون بعرفات ... كل هذه المناسك تنبع من الأصل وهي القرآن والسنة النبوية والعلوية.
ولكن في واقعنا الحالي نجد خلاء كثير من الشعائر من الأصل الديني فهي إما تنبع من الفهم الخاطئ أو من التعصب الهزيل، وهذا إن يعكس فإنه يعكس الانطباع الخاطئ لفهم الدين .
ومثال على هذه العادات ... صلاة التراويح فهي شعيرة وعبادة لم ينطق بها القرآن ولم يسنها النبي الأكرم (ص) ويعتقد المسلمون بأنها من الأمور التي قام بها رسول الله (ص) فهو يتقلدون بها دون أي دليل سوى دليلهم الواهي بأن الخليفة عمر من سنها، حيث يصبح الخليفة عمر في هذا المقام شريك رسول الله في سن الشعائر .
وكذلك إدخال (الصلاة خير من النوم) والتي فهمها المسلمون بأنها جزء من الأذان عندما ذهب تأخر الرسول (ص) عن صلاة الصبح فذهب بلال إلى بيت رسول الله (ص) مناديا ""الصلاة خير من النوم"" فاعتبروها جزء من الأذان [إن صحت الرواية] .
ومثال آخر على هذه المورثات ... الضرب على الزنجير [السلاسل] والمشي على الجمر والزحف والتطبير وكثير من الأمور التي تقام باسم الدين والتي ليس لها أي أصل ديني سوى فهم الوقائع التي جرت في الصدر الأول على أنها حجة علينا .
ويقدم بعض أتباع مذهب أهل البيت (ع) على فهم الأحداث التاريخية على أنها نصوص تقرر بأن فعل المعصوم وتقريره وقوله حجة، كضرب الإمام زين العابدين (ع) للحجر على رأسه، ونطح السيدة زينب (ع) رأسها بمقدم الجمل فسال الدم من تحت خمارها .
بينما لا تحمل هذه النصوص أي تعبير مباشر لضرب القامة، فهي حالة فطرية لأي بشر يرى أولاده وآبائه مجدلين ومقطعين بالسيوف، فهي حالة تأثر تفقد الإنسان الشعور بالذات والتجرد للقضية التي يشاهدها، كما كانت النسوة في المدينة حيث قطعن أيدهن دون شعور بالألم نتيجة كبر المشهد الذي تجلى أمام أعينهم كما ينص القرآن بذلك (فأكبرنه) وهذه دلالة على عظم المشهد .
وكانت العرب في الجاهلية تحثوا التراب على قتالاهم وتندب النساء موتاهم فهي فطرة .
ومن الناحية العلمية تعرض الإنسان لمؤثر مباشر يفقده الإحساس بالألم لتعطل منطقة في الدماغ مسئولة عن الشعور، فالإنسان عندما يدخل عراكا فإنه يفقد الشعور بالألم إن تعرض للضرب، وبمجرد أن ينتهي العراك يرجع الإحساس بالألم لتلاشي المؤثر حيث تستأنف هذه المنطقة في الدماغ العود إلى عملها .
ويذكر أن الإمام علي (ع) قد تعرض لسهم في رجله ولم يستطيعوا إخراجه إلا عند إقدامه على الصلاة ... فهي معراج المؤمن حيث تعرج روحه مع الله فهو أعلى وأقوى المؤثرات التي يفقد الإنسان فهيا الشعور بالجسم البالي .
ولتقديم البرهان على عدم حجية كل قول وفعل وتقرير المعصوم لبقية البشر وأنه حكم إما خاص أو فطري، مقولة الإمام المهدي (ع) لأندبنك صباحا ومساءا") فهذه المقولة تصف الحالة الدائمة التي يعيشها الإمام الحزن العائم الذي لا يفارقه طرفة عين، بينما لا يعتبر هذا النص أمر مباشر للحزن على الحسين (ع) طيلة الليل والنهار فهناك أفراح وهناك أحزان (يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا) بينما الإمام يتقلد أمر الإمام الحسن (ع) أفراحنا أحزاننا .
أيضا نجد أن الإمام يخص نفسه بالندب المستمر بكرة وعشية لنفسه ثم يعطف بالشعائر الأخرى التي يشترك بها الإمام مع بقية البشر والتي ستأتي بعد قليل .
ويصرح الإمام علي (ع) عن عبادته المسيحية [على نهج عيسى النبي] فيقول : ألا أنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني على ذلك بورع واجتهاد وعفة وسداد . فهذه العبادة خاصة بالإمام علي (ع) حتى أنها لا تشمل كل الأئمة (ع) كما يدلي بذلك الإمام زين العابدين (ع) عندما نظر إلى صحيفة الإمام علي (ع) من يقدر على عبادة جدي .
فليس لكل فرد أن يقلد الإمام في هذه الحالة لأنها مشقة وهي تدل على الخصوصية للإمام وليس لأحد انطباق مع هذه الحالة .
وعلى عكس ذلك نجد نصوص باهرة وزاهرة تصرح بتأدية الطقوس والشعائر الدينية كالبكاء والندب والعويل واللطم كما ورد في النصوص الصريحة (وعلى جدي الحسين فالتضرب الصدور ولتخمش الوجوه) الإمام الرضا (ع) وورد في الدعاء (وعلى مثل الحسين فاليندب النادبون ويضح الضاجون ويعج العاجون وليصرخ الصارخون) الإمام المهدي (عج)
ويجب التنويه على أن الشعائر التي تقع ضمن إطار الاستحباب والمكروه ليست أصالة دينية أي أن الدين لا يقوم عليها، ولكن ما يقّوم الدين تطبيق أوامر الدين الواقع بين طرفي الحلال والحرام لأن الآخرين يتعلقان بالمجتمع والأطراف المحيطة بالإنسان بدرجة تفوق المستحب والمكروه حيث تتقوقع فائدتهما على الإنسان بالدرجة الأولى .
فاجتناب الحرام المتمثل في الفواحش الظاهرة والباطنة كالزنا وشرب الخمر اللواط والقتل والقذف والسرقة والكذب وقطع الطريق ... كلها تتعلق بصلاح وفساد البر والبحر .
بينما صلاة الليل والتراويح والسواك ولبس النعلة السوداء وتقليم الأظافر وغيرها من المستحبات والمكروهات تعود على الإنسان بالنفع والضر على وجه الخصوص ، فلا يجوز خلط ما ليس أصلا بالأصل وجعله قمة لا يكتمل الدين إلا به . هذا إن صحت هذه الشعيرة، فكيف إذا كانت هذه الشعائر بعيدة عن الدين كل البعد وليست إلا نتاج الظن والفهم المقبور الذي أدخل الدين في متاهات الجهل فنزل الدين وحط قدره بالتمركز على الاشتغال بالمهم وترك الأهم .
وهكذا تكون بعض الشعائر التي تمارس سواء عند الفريقين نابعة عن الفهم الخاطئ للنصوص وتارة أخرى تكون نتيجة الهوى حيث لم يثبت أي دليل لهذه الشعيرة فيضحى الدين ممارسة قائمة بين الأصالة الدينية والشعائر الموروثة التي فرضها أصحاب الغلو والتمجيد .
الجمعة، 14 أغسطس 2009
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق